نهاية الكون.. دراسة جديدة تحدد موعد "الانهيار العظيم" -- Jul 08 , 2025 16
لطالما شغل مصير الكون النهائي أذهان البشر عبر العصور، حيث ظل هذا السؤال الكوني الكبير يحير العلماء والفلاسفة على حد سواء.
والآن، تقدم دراسة حديثة أجراها فريق من الفيزيائيين من جامعة كورنيل وجامعة شنغهاي جياو تونغ رؤية جديدة مثيرة قد تحمل إجابة محددة مدهشة لهذا السؤال الوجودي الكبير.
واعتمد العلماء في دراستهم على تحليل بيانات دقيقة جمعوها من عدة مسوحات فلكية متقدمة، بما في ذلك مسح الطاقة المظلمة وأداة التحليل الطيفي للطاقة المظلمة، ليخرجوا بنموذج نظري مفاده أن الكون سيواجه مصيره المحتوم في حدث أطلقوا عليه اسم "الانهيار العظيم" بعد نحو 33.3 مليار سنة من الآن. وهذا يعني، بالنظر إلى أن عمر الكون الحالي يقدر بـ13.8 مليار سنة، أن أمامنا نحو 20 مليار سنة أخرى قبل أن يشهد الكون نهايته الدراماتيكية.
وهذه النتائج تمثل تحديا جذريا للنموذج الكوني السائد الذي يفترض أن الكون سيستمر في التوسع إلى ما لا نهاية. فبدلا من ذلك، يقترح النموذج الجديد سيناريو أكثر إثارة، حيث سيصل الكون أولا إلى أقصى حد للتوسع في غضون نحو 7 مليارات سنة، لتبدأ بعدها مرحلة الانكماش التدريجي التي ستتسارع مع الزمن حتى تنتهي بانهيار شامل يعيد كل المادة والطاقة في الكون إلى نقطة واحدة متناهية في الصغر، تماما كما بدأ.
ويعتمد هذا النموذج الثوري على فهم جديد لطبيعة الطاقة المظلمة، تلك القوة الغامضة التي تشكل نحو 70% من محتوى الكون وتتحكم في مصيره. فبينما كان الاعتقاد السائد أن الطاقة المظلمة تتصرف كقوة ثابتة تدفع الكون للتوسع الأبدي، تشير البيانات الحديثة إلى أنها قد تكون في الواقع قوة ديناميكية متغيرة.
وقام الفريق البحثي بتطوير نموذج نظري يعتمد على افتراض وجود جسيمات فائقة الخفة تسمى "أكسيونات"، إلى جانب ما يعرف بالثابت الكوني السلبي. ويمكن تشبيه هذا السيناريو بشريط مطاطي عملاق، حيث يتمدد الكون في البداية مع تمدد هذا الشريط، ولكن مع وصول التمدد إلى حد معين، تبدأ قوى الجذب والثابت الكوني السلبي في السيطرة، ليعود كل شيء إلى نقطة البداية في انهيار مروع.
وتشير تفاصيل النموذج إلى أن الكون سيستمر في التوسع، ولكن بمعدل يتناقص تدريجيا، حتى يصل إلى أقصى حجم له، يقدر بأنه أكبر بنحو 69% من حجمه الحالي، وذلك بعد نحو 7 مليارات سنة من الآن.
وبعد هذه النقطة الحرجة، ستبدأ مرحلة الانكماش التي ستتسارع مع الزمن، لتصل إلى ذروتها في انهيار سريع وكامل في اللحظات الأخيرة من عمر الكون.
لكن العلماء يحذرون من أن هذه التوقعات لا تخلو من درجة كبيرة من عدم اليقين. فالنموذج الحالي يعاني من هوامش خطأ كبيرة بسبب محدودية البيانات الرصدية المتاحة حاليا. كما أن فكرة الثابت الكوني السلبي، التي تشكل حجر الزاوية في هذه النظرية، تظل فرضية تحتاج إلى مزيد من الإثباتات العلمية، وما تزال هناك نظريات بديلة، بما في ذلك سيناريو التوسع الأبدي، تحظى بمصداقية في الأوساط العلمية.
وما يجعل هذه الدراسة بالغة الأهمية ليس مجرد التنبؤ بموعد نهاية الكون، بل إمكانية اختبار هذه الفرضية علميا في المستقبل القريب.
فمع دخول عدة مشاريع فلكية ضخمة حيز الخدمة في السنوات المقبلة، مثل التلسكوبات الفضائية المتطورة وأدوات الرصد الفلكي الحديثة، سيصبح بمقدور العلماء الحصول على قياسات أدق لسلوك الطاقة المظلمة، ما قد يمكنهم من تأكيد أو تعديل أو حتى دحض سيناريو الانهيار العظيم بشكل قاطع.
ومن المهم أن ندرك أن هذا "العد التنازلي الكوني" البالغ 20 مليار سنة لا يشكل أي تهديد مباشر للحياة على الأرض أو لمستقبل البشرية. ولوضع الأمور في منظورها الصحيح، فإن تاريخ الحياة المعقدة على كوكبنا، منذ ظهور أول الكائنات متعددة الخلايا حتى يومنا هذا، لم يتجاوز 600 مليون سنة. و20 مليار سنة تمثل إطارا زمنيا هائلا يتجاوز بكثير كل التصورات، ففي هذه الفترة ستكون شمسنا قد احترقت منذ زمن بعيد، كما أن مجرتنا ستكون قد اصطدمت وتوحدة مع مجرة أندروميدا (المرأة المسلسلة) المجاورة، وكل ذلك سيحدث قبل وقت طويل من أي انهيار كوني محتمل.